فصل: حكمة التشريع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

1- الحجاب مفروض على جميع نساء المؤمنين وهو واجب شرعي محتم.
2- بنات الرسول ونساؤه الطاهرات هن الأسوة والقدوة لسائر النساء.
3- الجلباب الشرعي يجب أن يكون ساترا للزينة والثياب ولجميع البدن.
4- الحجاب لم يفرض على المسلمة تضييقا عليها، وإنما بشريفا لها وتكريما.
5- في ارتداء الحجاب الشرعي صيانة للمرأة، وحماية للمجتمع من ظهور الفساد، وانتشار الفاحشة.
6- على المسلمة أن تتمسك بأوامر الله، وتتأدب بالآداب الاجتماعية التي فرضها الإسلام.
7- الله رحيم بعباده يشرع لهم من الأحكام ما فيه خيرهم وسعادتهم في الدارين.

.حكمة التشريع:

قد يظن بعض الجهلة أن الحجاب لم يفرضه الإسلام على المرأة المسلمة وأنه من العادات والتقاليد التي ظهرت في العصر العباسي، وهذا الظن ليس له نصيب من الصحة وهو إن دل فإنما يدل على أحد أمرين:
أ- أما الجهل الفاضح بالإسلام وبكتاب الله المبين.
ب- وإما الغرض الدفين في قلوب أولئك المتحللين.
وأحب أن أكشف الستار لتوضيح الحقيقة حتى لا يلتبس الحق بالباطل ولا يختلط الخبيث بالطيب، وحتى يظهر الصبح لذي عينين. فما أكثر هؤلاء المضلين في هذا الزمان الذين يزعمون أنهم أرباب المدنية ودعاة التقدمية! وما أشد خطرهم على الأخلاق والمجتمع لأنهم يفسدون باسم الإصلاح ويهدمون باسم البناء، ويدجلون باسم الثقافة والعلم، ويزعمون أنهم مصلحون.

.النصوص الواردة في الحجاب:

1- يقول الله سبحانه: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} [الأحزاب: 33] الآية.
2- ويقول جل شأنه: {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب} [الأحزاب: 53] الآية.
3- ويقول سبحانه مخاطبا نبيه العظيم: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما} الآية.
4- ويقول سبحانه أيضا: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} [النور: 31] الآية.
فمن هذه النصوص الكريمة نعلم أن الحجاب مفروض على المرأة المسلمة بنصوص في كتاب الله قطعية الدلالة، وليس كما يزعم المتحللون أنه من العادات والتقاليد التي أوجبها العصر العباسي... الخ فإن حبل الكذب قصير.
ومن خلال هذه الآيات الكريمة نلمح أن الإسلام إنما قصد من وراء فرض الحجاب أن يقطع طرق الشبهات ونزغات الشيطان أن تطوف بقلوب الرجال والنساء وفي ذلك يقول الله سبحانه: {ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} [الأحزاب: 53] وهدفه الأول إنما هو صون الشرف والمحافظة على العفة والكرامة ولا ننسى أن هناك كثيرا من ضعفاء القلوب ومرضى الضمائر يتربصون بالمرأة السوء ليهتكوا عنها ستر الفضيلة والعفاف.
ولا يشك عاقل أن تهتك النساء وخلاعتهن هو الذي أحدث ما يسمونه أزمة الزواج ذلك لأن كثيرا من الشباب قد أحجموا عن الزواج لأنهم أصبحوا يجدون الطريق معبدا لإشباع غرائزهم من غير تعب ولا نصب، فهم في غنى عن الزواج، وهذا بلا شك يعرض البلاد إلى الخراب والدمار، وينذر بكارثه لا تبقي ولا تذر، وليس انتشار الخيانات الزوجية وخراب البيوت إلا أثرا من آثار هذا التبرج الذميم.
يقول سيد سابق في كتابه فقه السنة:
إن أهم ما يتميز به الإنسان عن الحيوان اتخاذ الملابس، وأدوات الزينة، يقول الله تعالى: {يابني ءادم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير} [الأعراف: 26].
والملابس والزينة هما مظهران من مظاهر المدنية والحضارة، والتجرد عنهما إنما هو ردة إلى الحيوانية، وعودة إلى الحياة البدائية، وإن أعز ما تملكه المرأة الشرف، والحياء، والعفاف، والمحافظة على هذه الفضائل محافظة على إنسانية المرأة في أسمى صورها، وليس من صالح المرأة، ولا من صالح المجتمع أن تتخلى المرأة عن الصيانة والاحتشام، ولاسيما وأن الغريزة الجنسية هي أعنف الغرائز، وأشدها على الإطلاق.
امنعوا الاختلاط، وقيدوا حرية المرأة:
وتحت هذا العنوان نشرت صحيفة الجمهورية بالقاهرة مقالا لصحفية أمريكية تدعى هيلسيان ستانسبري قالت هذه الكاتبة الأمريكية بعد أن مكثت شهرا في الجمهورية العربية ما نصه: إن المجتمع العربي مجتمع كامل وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تقيد الفتاة والشاب في حدود المعقول، وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوروبي والأمريكي، فعندكم تقاليد موروثة تحتم تقييد المرأة وتحتم احترام الأب والأم، وتحتم أكثر من ذلك عدم الإباحية الغربية التي تهدد اليوم المجتمع والأسرة في أوروبا وأمريكا.
إن القيود التي يفرضها المجتمع العربي على الفتاة صالحة ونافعة، لهذا أنصح بأن تتمسكوا بتقاليدكم وأخلاقكم، وامنعوا الاختلاط، وقيدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوروبا وأمريكا.
امنعوا الاختلاط فقد عانينا منه في أمريكا الكثير، لقد أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعا معقدا، مليئا بكل صور الإباحية والخلاعة، وإن ضحايا الاختلاط والحرية قبل سن العشرين، يملأون السجون والأرصفة، والبارات والبيوت السرية؛ إن الحرية التي أعطيناها لفتياتنا وأبنائنا الصغار، قد جعلت منهم عصابات أحداث، وعصابات جميس دين وعصابات للمخدرات والرقيق.
إن الاختلاط، والإباحية، والحرية في المجتمع الأوروبي والأمريكي هدد الأسر، وزلزل القيم والأخلاق، فالفتاة الصغيرة- تحت سن العشرين- في المجتمع الحديث، تخالط الشبان، وترقص، وتشرب الخمر، وتتعاطى المخدرات باسم المدنية والحرية والإباحية وهي تلهو وتعاشر من تشاء تحت سمع عائلتها وبصرها، بل وتتحدى والديها، ومدرسيها، والمشرفين عليها.. تتحداهم باسم الحرية والاختلاط، تتحداهم باسم الإباحية والانطلاق، تتزوج في دقائق، وتطلق بعد ساعات، ولا يكلفها أكثر من إمضاء وعشرين قرشا وعريس ليلة.
أقول: هذا رأي الكاتبة الأمريكية والفضل ما شهدت به الأعداء..! وصدق الله: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} [الأحزاب: 33]. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}.
أخرج ابن سعد والبخاري ومسلم وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت سودة رضي الله عنها بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر رضي الله عنه فقال: يا سودة إنك والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين، فانكفأت راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وإنه ليتعشى، وفي يده عِرْقٌ فدخلت وقالت: يا رسول الله إني خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر رضي الله عنه: كذا.. كذا.. فأوحي إليه ثم رفع عنه وان العِرْقَ في يده فقال: «إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن».
وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك قال: كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم يخرجن بالليل لحاجتهن، وكان ناس من المنافقين يتعرضون لهن فيؤذين، فقيل ذلك للمنافقين فقالوا: إنما نفعله بالإِماء. فنزلت هذه الآية: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} فأمر بذلك حتى عرفوا من الأماء.
وأخرج ابن جرير عن أبي صالح رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة على غير منزل، فكان نساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن إذا كان الليل خرجن يقضين حوائجهن، وكان رجال يجلسون على الطريق للغزل، فأنزل الله: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك}. يعني بالجلباب حتى تعرف الأمة من الحرة.
وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال: كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المؤمنين يؤذيهن، فإذا قيل له قال: كنت أحسبها أمة، فأمرهن الله تعالى أن يخالفن زي الأماء، ويدنين عليهن من جلابيبهن، تخمر وجهها إلا إحدى عينيها {ذلك أدنى أن يعرفن} يقول: ذلك أحرى أن يعرفن.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية قال: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب، ويبدين عينًا واحدة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: لما نزلت هذه الآية: {يدنين عليهن من جلابيبهن} خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان، من أكسيه سود يلبسنها.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي قلابة رضي الله عنه قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يدع في خلافته أمة تقنع ويقول: إنما القناع للحرائر لكيلا يؤذين.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أنس رضي الله عنه قال: رأى عمر رضي الله عنه جارية مقنعة، فضربها بدرته وقال: القي القناع لا تشبهين بالحرائر.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: رحم الله نساء الأنصار، لما نزلت {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين}. شققن مروطهن. فاعتجرن بها، فصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنما على رءوسهن الغربان.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن شهاب رضي الله عنه أنه قيل له: الأمة تزوج فتخمر قال: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} فنهى الله الاماء أن يتشبهن بالحرائر.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين رضي الله عنه قال: سألت عبيدة رضي الله عنه عن هذه الآية: {يدنين عليهن من جلابيبهن} فرفع ملحفة كانت عليه فقنع بها، وغطى رأسه كله حتى بلغ الحاجبين، وغطى وجهه، وأخرج عينه اليسرى من شق وجهه الأيسر مما يلي العين.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} قال: أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يعدنها على الحواجب {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} قال: قد كانت المملوكة يتناولونها، فنهى الله الحرائر أن يتشبهن بالاماء.
وأخرج عبد بن حميد عن الكلبي في الآية قال: كن النساء يخرجن إلى الجبابين لقضاء حوائجهن، فكان الفساق يتعرضون لهن، فيؤذونهن فأمرهن الله أن يدنين عليهن من جلابيبهن، حتى تعلم الحرة من الأمة.
وأخرج عبد بن حميد عن معاوية بن قرة أن ذعارا من ذعار أهل المدينة كانوا يخرجون بالليل، فينظرون النساء ويغمزونهن، وكانوا لا يفعلون ذلك بالحرائر إنما يفعلون ذلك بالإِماء، فأنزل الله هذه الآية: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين} إلى آخر الآية.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: كانت الحرة تلبس لباس الأمة، فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهم من جلابيبهن، وأدنى الجلباب: أن تقنع، وتشده على جبينها.
وأخرج ابن سعد عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعْرَفْنَ فلا يُؤْذَيْنَ} قال: أماؤكن بالمدينة يتعرض لهن السفهاء فيؤذين، فكانت الحرة تخرج، فيحسب أنها أمة فتؤذى، فأمرهن الله أن يدنين عليهن من جلابيبهن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في الآية قال: كان أناس من فساق أهل المدينة بالليل حين يختلط الظلام، يأتون إلى طرق المدينة فيتعرضون للنساء، وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة، فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطرق، فيقضين حاجتهن، فكان أولئك الفساق يتبعون ذلك منهن، فإذا رأوا امرأة عليها جلباب قالوا: هذه حرة فكفوا عنها، وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب قالوا: هذه أمة فوثبوا عليها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {يدنين عليهن من جلابيبهن} قال: يسدلن عليهن من جلابيبهن. وهو القناع فوق الخمار، ولا يحل لمسلمة أن يراها غريب إلا أن يكون عليها القناع فوق الخمار وقد شدت به رأسها ونحرها.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في الآية قال: تدني الجلباب حتى لا يرى ثغرة نحرها.
وأخرج ابن المنذر عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في قوله: {يدنين عليهن من جلابيبهن} قال: هو الرداء.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {يدنين عليهن من جلابيبهن} قال: يتجلببن بها فيعلمن أنهن حرائر، فلا يعرض لهن فاسق بأذى من قول ولا ريبه.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين رضي الله عنه قال: سألت عبيدًا السلماني رضي الله عنه عن قول الله: {يدنين عليهن من جلابيبهن} فتقنع بملحفة، فغطى رأسه ووجهه، وأخرج احدى عينيه. اهـ.